في ظلّ التطور الاجتماعي وانفتاح دولنا العربية على شعوب العالم ، ازدادت حالات زواج الفتيات العربيات من أشخاص من بلدان أخرى، سواءً أكانوا عرباً أم أجانب. أياً كانت نظرتنا لهذه الظاهرة التي باتت رائجة في مجتمعاتنا، فإن هذه الزيجات المختلطة تتأتى عنها ثمار :الابناء. وفي الكثير من الاحوال تنتهي تلك العلاقات بالانفصال وبقاء المرأة في موطنها الام مع ابنائها، الذي غالباً ما يكون هو البلد الذي عاش فيه الابناء ولم يغادروه مطلقاً ولم يعرفوا موطنا سواه.
ولكن، على الرغم من إلتصاق هؤلاء الابناء ببلد أمهم واندماجهم فيه وتمتّع ذويهم من أمٍ واجدادٍ وخالاتٍ واخوالٍ بجنسية الوطن، فهي، غالبًا ما تُحجب عنهم، اذ أن معظم التشريعات في دولنا العربية لا تعطي الابناء جنسية والدتهم فيخضعون لقيود عديدة من جهة الاقامة والترخيص بالعمل فيعاملون في موطن أمهم كالاجانب والأغراب.
رغم كل التطور الذي شهده مجتمعنا لا يزال قانون الجنسية في العديد من الدول العربية، يشكّل مصدر تمييزٍ ضد المرأة، فعدم السماح لها بمنح جنسيتها ينتقص من مواطنيتها لمجرد انها أنثى . فهي، وإن كنت تحمل جنسية بلدها وفق قوانين الجنسية، تمارس حقوقها السياسية كافةً، إلّا انها ما تزال محرومةً في العديد من التشريعات العربية من حق إعطاء الجنسية لأبنائها وبناتها.
المرأة العربية، هل تُنصِفها قوانين الجنسيّة؟
يعدّ مبدأ المساواة بين الاب والام في نقل الجنسية الى الابناء من المبادىء المعترف بها في غالبية دول العالم بوصفه تطبيقاً صريحاً لمبدأ المساواة بين الجنسين الوارد في معظم الدساتير الحديثة، وهو أمر ملحوظ ايضًا في تشريعات الجنسية للعديد من الدول العربية ودول العالم الثالث وقد اعتمدت هذه التشريعات على حق الام كما الاب باعطاء جنسيتهم، سنداً لرابطة الدم الذي ينص عليها قانون الجنسية وانطلاقاً من :
المادة /15/ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص على أن لكل انسان الحق في الجنسية.
اعتبار الاسرة بكامل افرادها تشكل العمود الفقري للمجتمع، التي لا يمكن أن تستقيم الا بجناحيها، الرجل والامرأة، دون أي تمييز بينهما.
إن قانون الجنسية في لبنان وسوريا مثلاً، يعتبر أن رابطة الدم محصورة بالاب فقط فيعدّ لبنانياً كل شخص مولود من أب لبناني فقط أياً كانت محل ولادته وبمجرد التسجيل في قيود الأحوال الشخصية، يتم الحصول على الجنسية اللبنانية. تنتقل الجنسية إذن بالابوة ولا تنتقل بالامومة الا في حالتين استثنائيتين : حالة الابن غير الشرعي الذي تعترف به أمه وهو قاصر، وحالة ابن المرأة الاجنبية التي اكتسبت الجنسية اللبنانية، اذ يحق لهذه الاخيرة ان تمنح الجنسية اللبنانية التي اكسبتها الى اولادها القاصرين من زواجٍ سابقٍ لها.
ومن هنا يقع التمييز ضد المرأة المواطنة في هذه القوانين في ناحيتين:عدم امكانية منح الزوجة اللبنانية أو السورية جنسيتها لزوجها الاجنبي، ولا لابنائها منه، خلافاً لما هو الحال بالنسبة للرجال اللبنانين او السوريين المقترنين من أجنبيات الا في حالاتٍ محددةٍ.
والجدير بالذكر أنه، وبتأثير المطالب الشعبية والجمعيات النسائية، صدر مؤخرًا قرار يمنح إقامة مجاملة لأسرة المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي وهي مجانية، وتجدد كل ثلاث سنوات. كما أصبح بامكان أفراد أسرتها الحصول على إجازات عمل معفاة من أي رسوم.
لكن التشريعات تختلف بين دول عربية و أخرى، ففي دولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً، صدر سنة 2012 قانون عُرف بإسم قانون تجنيس أبناء الإماراتيات سُمح
بموجبه للمرأة الإماراتية منح جنسيتها لابنائها وبناتها في حال استوفوا الشروط اللازمة لاكتسابهم الجنسية، ومن بين هذه الشروط بلوغهم الـ 18 عامًا.
أما في المملكة العربية السعودية، فلا يحق للمرأة السعودية منح جنسيتها لزوجها الأجنبي وأولادها منه لكن، وبحسب التعديلات الأخيرة، يُمنح زوج المرأة السعودية وكلٍ من أبناءها وبناتها، من قِبل الدولة بطاقة إقامة وتأشيرة خروج وعودة متعددة السفرات، ويستفيد الزوج الأجنبي منها ما دامت العلاقة الزوجية بينه وبين المرأة السعودية قائمة.
أما في تونس، فإن التشريع الصادر في عام 1993 ساوى الى حدٍّ كبيرٍ بين دور الاب ودور الام في نقل الجنسية الى الابناء وذلك سواء تمت الولادة داخل اقليم الدولة أم خارجها.
وان قوانين الجنسية في المغرب العربي هي الاكثر تطورًا في مجال منح الجنسية لابناء الام ، " فيعتبر مغربياً الولد المولود من أبٍ مغربيٍّ او أم مغربية."
أما في تركيا، فاننا نجد أن المشترع تدخّل لتعديل قانون الجنسية وذلك عام 1981، واصبح القانون الجديد ينصّ على أنه " يعتبر تركياً من ولد لاب متمتع بالجنسية الاردنية. أما بالنسبة للمرأة التركية فلا تعطي جنسيتها الا لابنها الا عندما يكون الاب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أو لم يثبت نسبته الى أبيه قانوناً.
وكذلك في مصر، فان القانون رقم /154/ الصادر سنة 2004 ينص على أنه" يكون مصرياً من ولد لأب مصري أو أم مصرية". خلافاً لما هو جار العمل به على سبيل المثال في الاردن ، اذ ان القانون الساري المفعول يعتبر اردني الجنسية كل من ولد لأب متمتع بالجنسية الاردنية. أما بالنسبة للمرأة الاردنية فلا تعطي جنسيتها لإبنائها الا عندما يكون الاب مجهول الجنسية او لا جنسية له، او لم تُثبّت نسبتهم الى أبيهم قانوناً.
إرسال تعليق