فلنكن واقعيين، النساء يعرفن متى يرمين هذا السلاح ومتى يتمسّكن به. فعندما يتعلق الأمر بحقوقهن، يطلبن المساواة ويؤكدن ان المرأة والرجل كائنان يجب أن يتمتّعا بالحقوق نفسها وعليهما الواجبات نفسها أيضاً، فالمساواة الجندرية (اي دور كل من الجنسين في المجتمع) هو امر حتمي ومبدئي. والاختلاف هو فقط ما تفرضه البيولوجيا عليهما، فلا الرجل يستطيع ان يحمل، ولا المرأة قادرة على مقارعة الرجل في الأعمال القاسية جداً. وما عدا ذلك، كلاهما متساويان. لكن هل هذا ما تريده المرأة فعلاً.
كم مرة حدث معك او مع احد اصدقائك وفاجأك ثقب في اطار السيارة. هبة هي احدى السيدات اللواتي صادفن موقفاً مماثلاً: "عندما ادركت جيداً أنني لن أجد أحداً يساعدني على تبديل إطار السيارة بعد ثقب أصابه في المكان الذي توقفت فيه سيارتي، عقدت العزم على استبداله بنفسي، فأنا مؤمنة ان النساء لسن بحاجة الى الرجال وهن قادرات على تولي امورهن بأنفسهن. عانيت كثيراً وأنا أحاول ايجاد مكان الإطار البديل، تحت عشرات الأغراض في صندوق سيارتي، وما ان حاولت تحريك الإطار من مكانه، وجدت ان يديّ تلطختا، وانني سألطخ ملابسي ايضاً إذا ما حافظت على عنادي. حينها، اعطيت مبادئي اجازة مفتوحة، واستدعيت "عنفوان الذكورة" لدى المتطفلين الشباب الذين عرضوا علي المساعدة، فاستبدلوا الإطار بدقائق معدودة".
ما الذي تعلمته هبة من التجربة: "ببساطة نحن نعاني كثيراً من نظرة المجتمع لنا من أننا غير جديرات بالمساواة، لكن في المقابل نحن نحتاج الى اهتمام الرجال بنا ولسنا على استعداد لأن نتخلى عن بعض الامتيازات التي نحصل عليها كوننا بنظرهم جنساً لطيفاً... الم يكن تصرفهم لطيفاً معي؟".
تعد بدايات العلاقات العاطفية اهم اختبار لمدى تقبل المرأة لفكرة التخلي عن مكاسب الأنوثة، كما تقول مريم، فهي تؤكد انها لا يمكن ان تبادر بالخطوة الأولى وتهم بدعوة رجل للخروج معها. فبرأي مريم ان الموعد الأول مقدس ويجب ان نحافظ على تقاليده التي تشعر المرأة باهتمام الرجل وبقيمتها في نظره، وبأنها مرغوبة، وتحاول الاستمتاع بالجهد الذي يبذله الرجل ليرسم انطباعاً جميلاً لديها.
لكن ماذا لو طلب منها ان تدفع هي فاتورة المطعم في لقائهما الأول، او ان يتشاركاها على الأقل؟ تظن مريم ان هذا مستحيل لأن ذلك سيدل على انه بخيل لا على انه يحترم المساواة، وتجزم بأن هذا سيكون رأي معظم نساء مجتمعنا.
مهى، تصر على الفصل بين المساواة والاحترام، فهي تصنف بعض التصرفات التي لا يتساوى بها الرجل والمرأة في خانة "البرستيج" او حسن التصرف، وهو امر ابتدعته المجتمعات لإضافة بعض التوابل على الحياة الاجتماعية. فلا ضير إن ترك رجل مقعده في الباص لإحدى السيدات ولا يظن ان بامكانه ان يقمع شقيقته في البيت كتعويض عن هذا التصرف. ولن يصيبه مكروه ان فتح لزوجته باب السيارة، من دون ان يضربها في المنزل لأنه لم يعد يؤمن بالمساواة، وكذلك الأمر اذا طلب منها ان تمر قبله او إذا قام بأي عمل يعتبر لائقاً في عالمنا.
المساواة إذاً امر قابل للمساومة، وفق غالبية النساء، فالمرأة لا ترغب حقاً في ان تزول تلك التوابل على طبق الحياة. فهي بطبعها كالوردة التي تحتاج لمن يعتني بها، ويقدر عطرها، ويرشها بالماء النظيف، لكن من دون ان يقطفها. فتلك الميزات التي تحصل عليها المرأة تستحقها، وتقدرها، ولا يجب ان تنتقص من قيمتها وحقوقها، فهذا "البرستيج" يمنح الرجال فرصة لان يحسّنوا صورتهم التي يدمرها الكثيرون منهم ببعض التجاوزات الذكورية...
إرسال تعليق