لأنها هي الأم، هي الشقيقة، هي الإبنة، هي الزوجة، هي المرأة – الشريكة المنتفضة على البائد من التقاليد، الثائرة على الجائر من القوانين، نجد أنفسنا اليوم، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة أكثر من أي يومٍ آخر، معنيين بالشهادة لواقع الظلم الذي تعانيه، وفي السعي لرفعه عنها.
"فالرجل دون أمرأةٍ نصف إنسان، والمرأة دون الرجل نصف انسان وأما الإثنان فيشكّلان الإنسان الكامل"(مخائيل نعيمة).
إن الظلم إنما هو نقيض العدل، وكلّ من ينشد إحقاق الحق يجب أن يسعى إلى رفع نير الظلم عن أي فئةٍ من المجتمع قد يلحق بها. فالمراة في مجتمعاتنا تعاني من ظلمٍ نافرٍ، يلاحقها من المهد إلى اللحد وإلى ما بعد اللحد، و بإمكاننا القول حتى ما قبل المهد. فالنظرة المجتمعية الموروثة لدى معظم الناس تُدخِل المولودة الفتاة في غياهب التأسف، عندما تتأهب للدخول إلى الحياة، ويستمرّ هذا الغبن طيلة مسار حياتها.
إذ ليس "كالعدل شيء يقوم عليه بناء الأمم وتصفو به الحياة!" فالعدل والحرية لا ينبعان من القانون، بل من القلب والفكر، اللذين هما مصدر كل خيرٍ وشر. لذا فقبل ان نفكر في تعديلاتٍ في التشريعات والنصوص، علينا أن نفكر في مساواة الأبناء والبنات في التربية والا يعمد الوالدين الى التمييز ما بين الذكر والأنثى، فما يجوز له لماذا يحرّم عليها؟
من أصول التربية، أن يتساوى الأبناء والبنات في الحقوق و الواجبات، فلا فضل لأحدهما على الآخر بفعل الجنس، ولا فوقية ولا دونية . فبقدر ما نوفّر للإبنة التوازن في التصرف معها، بقدر ما نفتح أمامها المجالات ونوسّع لها الآفاق، وبقدر ما ننطلق في بناءٍ صحيحٍ للأسرة وللمجتمع ككل.
وفي التعليم تفريقٌ وتمييز : فلأخيها التعليم الجامعي المتقدّم معظم الأحيان وحتى السفر في الغالب للتخصص، ولها غالباً ما يحدد التعليمٌ بضوابط ٍ، إذ أن الهدف هو أن تتزوج، فهي بمثابة الضيف المنتظر منه الإرتحال، في سنٍّ معينة، تحت ضغط الترحيل.
وفي الزواج ومفاعيله: إذ يتم "تزويج" الأنثى في بعض الحالات في سنٍ مبكرة، من دون أن تفقه الأمور اللازمة لما ُتقدم عليه. فلماذا لا يصار إلى توحيد سن الزواج بعد رفعه إلى سن الرشد (18 سنة)؟ ومن ناحيةٍ أخرى، فان المجتمع بمختلف مكوناته يتجه إلى تدفيع الزوجات في الغالب ثمن فشل الزواج، فيختلّ التوازن الطبيعي فيه وتسود الظلامة وتنتقص المساواة...
أما الحضانة فليست منّة للأم، بل هي حق طبيعي لها، وإذا كانت قوانين الأحوال الشخصية لدى الطوائف وضعت حدّين أدنى وأقصى لمنح الحضانة ونزعها من الأم، فإن الواقع العملي شهد على ظلامة كبرى تلحق بالأطفال. أليس مستغرباً في عصرنا الحاليً أن تُحجب حضانة الأبناء عن الام، من دون أن يكون هناك أي مبررٍ، ونتساءل أيضاً:من هو أجدر وأفضل وأنسب منها في تنشئة الاولاد القصّار؟ وكيف يُبَررّ نزع طفلٍ من حضن أمه الدافئ وهو بعد في سنواته الأولى؟
حتى أن النفقة باتت قاصِرة بفعل عقم النصوص و"ذكورية" بعض النفوس عن تأمين مقتضيات الحياة السليمة للأم والأطفال.وكم من حالاتٍ، بفعل الأعباء الثقيلة المترتبة عليها، إضطرت الزوجة – الأم الى التخلي عن الكثير من حقوقها الطبيعية، لاسيما على صعيد رعاية الأولاد، للحصول على انفصال "تسووي" للزواج، تجنّباً لسنوات التقاضي الثقيلة والمكلفة معنوياً ومادياً؟
إن الحاجة باتت ملحّة لإجراء تعديلاتٍ في القوانين بحيث يُسار الى تجاوز العثرات في التمييز بحق المرأة في جميع مراحلِ حياتها.فتتساوى مع الرجل الشريك في المواطنة، في الحقوق والإلتزامات.فيكون لها مثلاً، ان تمنح جنسيتها لأطفالها، إذا ما تزوجت بأجنبي.لا بد أن يُسار، في دولنا العربية، الى تعديل جميع النصوص المثقلة بإرث الماضي الجائر.
إن قوانين العقوبات هي المثال الصارخ على الظلم الملازم لمشوار المرأة في الحياة، ففي غالبية الأحوال يتمّ التعاطي معها بشكلٍ فوقي، والذكورية هي الطاغية بمعناها السلبي، تعنيفاً وإيذاءً، وصولاً إلى حدّ الجريمة التي لا شرف يبرّرها. فالرجولة ليست في العنف والوحشية والضرب لحدّ القتل، إنما هي فعلُ شرفٍ وحضانة. والزنى لا يختلف توصيفاً ما بين الزاني والزانية، لكيّ يحلَّل له ما لا يحلَّل لها، وأسباب التبرير والتخفيف ليست حكراً على الرجل فالجريمةُ جريمة، أياً كان مرتكبها.
وإذا ما عرضنا لبعض حالات القهر المعنوي والقانوني بحق المرأة، فهذا غيضٌ من فيضِ ما يعانيه مجتمعنا من خلل بنيوي عندما يظلم نصفه بحجة حماية نصفه الآخر.
إذ أن في تفاقم العنف الجسدي والمعنوي الممارس ضدها بات يستدعي الاضاءة عليه، تشخيصاً لهذا الواقع المَرَضي، وتحديداً لما يستدعيه من إجراءاتٍ رادعة وتصحيحية.
ان إجراء التعديلات الجديّة في قوانيننا يستدعي مخاضاً عسيراً قبل الولادة، ان في مجال الأحوال الشخصية أو في القانون الجزائي بهدف تجريم العنف الأسري الممارس ضد النساء، لحمايتها ومنع التعرض لها، جسدياً ومعنوياً.
لكن تعديل القانون لا يكفي وحده لمقارعة حالات العنف، بل يفترض أن تقابله حملة توعية تبيّن همجية العنف ضد المرأة وعقمه وجاهلية من يتوسله .حملة توعية تبشّر لثقافة الحوار والتواصل حتى في أوقات الخلاف وفي حالات الإنفصال. "فإن القوة ليست في العنف، بل هي تناقضه، والقوة ليست بالظلم، بل هي تجافيه، إنما القوة في العدل".
إن كنتِ، سيدتي، من النساء المعنَّفات جسدياً أو معنوياً، فلا تستسلمي، لأن في مقاومتكِ النبض الذي يحيي عائلاتنا، على وقعِ إصلاحٍ قد يأتي، ويرتقي بآلامنا الى مرتبة الآمال، بثورةِ تغييرٍ في المفاهيم السادية السائدة لدى البعض، ثورة تعيد ترتيب سلّم الأولويات بشكلٍ طبيعيٍ وحضاري. إن مصلحة العائلة تتحقق عندما ترتاح المرأة فيها إلى موقعها وواقعها، فيرتاح شريكها الرجل بنجاح العلاقة ويستقرّ الأولاد ثمرة هذه الشراكة.
واعلمي سيدتي، أن الكثيرين من رجال اليوم ينبذون جاهلية العنف، ويعتنقون ثقافة الحوار، ويتبرأون من رجوليةٍ زائفة متوارثة، ليفاخروا برجولة الشهامة والنبل و الإستقامة.
إذ لا حياة لمجتمعٍ دون عدالة،
ولاعدالة دون مساواة،
ولا مساواة مع الظلم.
إرسال تعليق